والعارفين بمعانيه، ودلالات لفظه؟ فلما وجدناهم مختلفين في أحكام الحوادث علمنا بذلك بطلان قولك.
ولو كان ما قلت صحيحا، لكانت الصحابة أولى باعتباره والرجوع إليه، ولو خفى ذلك على بعضهم لنبهه الباقون عليه، فكان يصير بمنزلتهم في معرفته واستدراك حكمه، إذ كان لذلك سببا مستدركا من طريق اللغة ودلالة الخطاب.
وعلى أنه ليس يمكن قائل هذا القول أن يرينا في كل مسألة من الحوادث. كالمكاتب إذا أدى بعض كتابته، وكالخلية، والبرية، وغيرها، من المسائل التي اختلفوا فيها، دليلا لا تحمل الا معنى واحدا، فعلمنا أن قائل هذا القول، إنما عبر عن اجتهاد الرأي بالدليل الذي لا يحتمل إلا معنى واحدا. فأخطأ في تسميته.
فإن قال: إن تلك الدلالة تحتمل الوجوه المختلفة، والمعاني المتغايرة.
قيل له: فقد وافقتنا على إثبات الاجتهاد في إدراك حكم الحادثة، لأنا كذلك نقول فيما كان طريقه الاجتهاد. وحصل خلافك لنا في العبارة.
فإن قال: ما أنكرت أن يكون الواجب في حكم الحادثة:
أن يترك الامر فيها على ما كان عليه حكمه في العقل، قبل ورود السمع.
فإن كان مباحا في العقل أقر عليه، وإن كان العقل يوجب حظره أو إيجابه، كان محمولا على ذلك، وما قد دل عليه السمع أيضا في قوله: " تعالى عفا الله عنها " وقول النبي صلى الله عليه وسلم (وما سكت عنه فهو عفو).
قيل له: فاسد بدلالة الكتاب والسنة، واتفاق الأمة، وذلك أن الله تعالى قد أمرنا بالاستنباط، ورد الفروع إلى أصولها، بقوله تعالى: " لعلمه الذين يستنبطونه منهم " وقوله