(وشبه علي عليه السلام الجد ينهر يأخذ منه جدول، ثم يتشعب منه شعبتان، وشبهه زيد بن ثابت بغصن نبت من شجرة، ثم نبت من الغصن غصنان.
وقال عمر رضي الله عنه في رسالته المشهورة إلى أبي موسى: وقس الامر عند ذلك، وقال ابن مسعود: (لقد أتى علينا زمان ولسنا نقضي، ولسنا هناك، فمن عرض له قضاء، فليقض بما في كتاب الله تعالى وإن لم يكن في كتاب الله، فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم يكن في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فليجتهد رأيه). ولو لم يكن الاجتهاد في إدراك أحكام الحوادث عندهم سائغا، لا نكره بعضهم على بعض، ولما جاز منهم وقوع التواطؤ على ترك النكير على القائل به، وكان لا أقل أن يكون بينهم فيه خلاف، فيقول به بعضهم، وينفيه بعضهم، كسائر ما اختلفوا مما طريقه الاجتهاد، وإن لم يظهر منه نكير على القائل به، وكان لا أقل أن يكون بينهم فيه خلاف، فيقول به بعضهم، كسائر ما اختلفوا، مما طريقه الاجتهاد، وإن لم يطهر منهم نكير على القائل به. فلما توافوا كلهم على تجويزه - إما رجل قد يستعلمه وأخبر عن نفسه به، وإما رجل لم ينكره، إذ لم يحفظ عنه قول في المسائل - ثبت بذلك إجماعهم عليه.
ألا ترى أنهم لما اختلفوا فيما طريق الحق فيه واحد، ولا يسوغ الاجتهاد في العدول عنه، خرجوا منه إلى اللحن والبراءة، ونصب الحرب والقتال، كنحو اختلافهم (في إنشاء) حرب الجمل وصفين، وقتال الخوارج، لما كان الحق فيه واحدا وكان الدليل عليه قائما بارزا، لم يسوغوا الاجتهاد فيه، ولم يكن منزلة هذا الخلاف عندهم كمنزلة الخلاف في الجد، والخلية، والبرية، والحرام، وما أشبه ذلك.
فدل ما وصفنا على انعقاد اتفاق السلف، على تسويغ الاجتهاد في أحكام الحوادث.