فإن قال قائل: قد أثبتم الحدود بالاستحسان فضلا عن القياس، لأنكم قلتم في أربعة شهدوا على رجل بالزنا (في بيت، فشهد اثنان انه زنا بها في هذه الناحية منه، وشهد آخران منهم أنه زنى بها في هذه الناحية منه) أن القياس أن لا يحد، ويحد استحسانا، وكتبكم مملوءة من المسائل القياسية في الحدود، وهذا بخلاف ما أصلت من نفي القياس في إثبات الحدود.
قيل له: أما قولك: إنا أثبتنا الحدود بالاستحسان، فليس كما ظننت، والأصل الذي عقدناه في نفي إثبات الحدود بالقياس صحيح، لا يعترض عليه ما ذكرت في ذلك، لأنا إنما أردنا بقولنا، لا تثبت الحدود القياسا، (أنا) لا نبتدئ إيجاب حد بقياس في غير ما ورد فيه التوقيف، فلا نوجب حد الزنا في غير الزنا قياسا، كما أثبتنا تحريم التفاضل في غير البر قياسا عليه، ولا نثبت حد السرقة في غير السرقة، من نحو (المختلس والمنتهب والخائن والغاصب قياسا على السارق، ولا نثبت حد القذف) من نحو التعريض قياسا، ولا نثبت كفارة رمضان في غير الافطار في رمضان قياسا على الافطار في رمضان، وإن (كان) بعض الفقهاء قد أوجبها في الافطار في قضاء رمضان، قياسا على رمضان، وبعضهم أوجب حد القذف في التعريض.
وأما الاستدلال من جهة القياس على مواضع الحدود، فهو جائز عندنا، بعد أن لا يكون فيه إيجاب حد في غير ما ورد فيه التوقيف.
وكذلك يجوز الاستدلال على مواضع الكفارات بالقياس.
ألا ترى أن الله تعالى وإن أوجب حد الزنا على الزاني، فإن من الزناة من لا يجب عليه الحد، فنحن متى استعملنا القياس في إيجاب حد الزنا، فإنما نستدل بالقياس على أنه ممن دخل في الآية وأريد بها، وأنه ليس من الزناة المخصوصين من الآية.