باب في ذكر الوجوه التي يستدل به على كون الأصل معلولا قال أبو بكر: قد يعلم الأصل معلولا باتفاق القائسين على أنه معلول، لأنه حينئذ يكون القول فيه من أحد وجهين:
إما قول نفاة القياس، في نفي العلة، أو قول مثبتيه في إثباتها فلما صح عندنا وجوب القول بالقياس وصحته، وبطلان قول نفاته، ثم أجمع مثبتوه على كون الأصل معلولا، صار إجماعهم على ذلك موجبا لصحته، وقد يثبت الأصل معلولا بالتوقف على العلة، وبفحوى النص وبالاستدلال عليه.
فأما ما ثبت معلولا باتفاق القائسين، فهو خبر تحريم التفاضل في الأصناف الستة، وما ثبت معلولا بالتوقيف كقوله تعالى: (كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إنه دم عرق " وقوله صلى الله عليه وسلم لبريرة: " ملكت بضعك فاختاري " وما جرى مجرى ذلك.
وما يعلم بفحوى النص قوله (صلى الله عليه وسلم): (فإذا اختلف النوعان فيبيعوا كيف شئتم يدا بيد) دل على أن هناك معنى به تعلق حكم التحريم، وبزواله زال.
وكقوله في السمن الذي ماتت فيه الفأرة: (إن كان مائعا فأريقوه، وإن كان جامدا فألقوها وما حولها) دلنا فحوى خطابه على أن هناك معنى به تعلق حكم النجس.