ظهر منه التنقل في وقت قريب المدة أوجب ذلك سوء الظنة به، والتهمة بإيثار الهوى، والانتقال عن مذهب كان عليه من غير سبب أوجب انتقاله، فلذلك امتنع الانتقال فيه من قول إلى قول، من غير حادث من نظر يدعو إليه.
وأيضا: فإن هذا السؤال يرجع على سائله من حيث سأل، لأنه لا يخلو من أن يكون من نفاة القياس والقائلين بما يسميه دليلا، أو من القائلين بالقياس، ممن يجعل الحق في واحد، فمن أي الفريقين كان، فهذا السؤال عليه (قائم) في مذهبه، حسب ما أراد إلزامنا إياه.
وذلك لأنه يقال له: خبرنا عن المستفتي إذا استفتى رجلين من أهل الفتيا عن مسألة نازلة فاختلفا عليه، فكيف يصنع؟
فإن قال: ينظر في صحة أحد القولين، وفي وجوه دلائله، فيمضيه ويحكم به.
قيل له: فإنه عامي جاهل، ولا يصير كذلك إلا بعد العلم بالأصول، والمعرفة بطرق الاستدلال، وهو غلام قد بلي بالحادثة في أول حال بلوغه، أو امرأة (قد) بليت بحادثة في أمر الحيض والاستحاضة بأمرها بما يتعلم الأصول والتفقه فيها، حتى يصيرا من أهل الاجتهاد والنظر، ويهملا أمر الحادثة، وعسى أن لا يبلغا هذا الحال أبدا.
وهذا قول ساقط، مرذول، خارج عن نطاق الاجماع، وقد بيناه فيما سلف، فثبت أن على المستفتي قبول قول أحد المفتيين إذا تساويا عنده في اجتهاده في العلم والدين والثقة.
فيقال لهذا السائل: فما تصنع إذا اختلفا عليه فأفتاه أحدهما بالحظر والآخر بالإباحة؟.