ولكان المجتهدون في تدبير الحرب ومكائد العدو متبعين للهوى حاكمين بالظن، فلما انتفى ذلك عمن وصفنا ولم يجز إطلاقه فيهم، كان كذلك حكم المجتهدين في مسائل الفتيا.
واحتجوا أيضا: بما ذكر الله تعالى في قصة داود وسليمان عليهما السلام في الحرث، في قوله تعالى: " وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث.. إلى قوله تعالى: " ففهمناها سليمان ".
قالوا: فهذا دليل (على) أن سليمان عليه السلام كان هو المصيب لحقيقة الحكم عند الله تعالى، لولا ذلك لما خص بالتفهيم دون داود عليهما السلام.
قال أبو بكر: قد أجيبوا عن هذا بأجوبة: أن ليس في قوله تعالى: " ففهمناها سليمان " دليل (على) أن داود لم يفهمها، كما أن ليس في قوله تعالى: " ولقد آتينا داود وسليمان علما " دلالة على نفي العلم عن غيرهما من الأنبياء عليهم السلام.
وكما أن قوله تعالى: " لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة " لا دلالة فيه أنه لم يرض عن غيرهم ممن لم يبايع تحت الشجرة، إذ ليس في تخصيص الشئ بالذكر دلالة على أن ما عداه بخلافه.