الا ترى: أنه إذا دفع إلى أحد الامرين في سلوك أحد طريقين أنه يجتهد رأيه في الاقدام على سلوك أقربهم إلى السلامة عنده، وأبعدهما من العطب، لأنه يمكنه هذا الضرب من الاجتهاد.
وكذلك في تدبير الحرب ومكائد العدو.
وقد يجوز له الاجتهاد فيه وإن لم يكن من أهل الفقه، بعد أن يكون من ذوي الرأي في ذلك الامر. كذلك العامي ينبغي له الاجتهاد فيمن يقلده، إذ كان في وسعه (الاجتهاد في التمييز بين الرجال).
وقد اختلف أصحابنا فيمن كان من أهل الاجتهاد، هل يجوز له تقليد من هو أعلم منه؟
فقال في كتاب الحدود - وذكر أبو الحسن أنه قول أبي حنيفة -: إن له تقليده، وأن له أن يعمل برأيه.
وحكى أبو الحسن، عن أبي يوسف ومحمد: أنه ليس له إلا أن يعمل برأي نفسه، ولا يجوز له تقليد غيره إذا كان من أهل الاجتهاد. (وقد روى داود بن رشيد، عن محمد:
أن للمجتهد أن يقلد من هو أعلم من نفسه).
وقد روي عن جماعة من السلف في ذلك، نحو قول كل واحد من القولين فيما روي عن السلف، وذلك (نحو) قول عبد الرحمن بن عوف لعثمان حين عرض عليه البيعة، على أن يقضي بالكتاب والسنة، ورأي أبي بكر، وعمر، فأجابه (إلى ذلك)، وعرض مثل ذلك على علي، فقال علي: أقضي بالكتاب والسنة، وأجتهد رأيي.