القياس وأجروا الحكم على العلة، لأوجب ذلك أن لا يطهر الثوب الذي تصيبه النجاسة، أو البدن أو الأواني أبدا، وإن غسل خمسين مرة، من قبل أن الماء الأول يلاقي نجسا، فيتنجس، ثم يزول بعد ملاقاته للنجاسة، وحصول حكمها فيه.
فكان يجب أن يصير حكم هذا الماء النجاسة التي كانت في الثوب، فلا يطهر، كذلك الماء الثاني يلاقي ماء نجسا، فلا تزول إلا بعد ملاقاته للنجاسة، وانتقال حكمها إليه، وكذلك الماء الثالث والرابع وما بعده، (وإن كثر)، إلا أنهم تركوا القياس، وحكموا بطهارته إذا زال عين النجاسة، لإجماع الأمة على طهارته إذا صار بهذا الحد، فهذا وجه مما ترك القياس فيه، وحكم موجب العلة بالإجماع.
ومما تركوا القياس فيه، وخصوا الحكم مع وجود العلة لعمل الناس: ما ثبت عندهم أن عقود الإجارات لا تجوز إلا بأجر معلوم، وكذلك قال صلى الله عليه وسلم: (من استأجر أجيرا فليعلمه أجره) فصارت أبدال المعلوم من المنافع كأبدال الوجود من الأعيان، في باب اعتبار كونها معلومة في العقد.
وكذلك قالوا - إذا استأجر عبدا أو دارا -: إن الحاجة إلى معرفة المدة كهي إلى مقدار الأجرة، فلم يجيزوها بأجر مجهول، ولا على مدة مجهولة.
فلو لزموا هذا الاعتبار وأعطوا العلة حقها مما يقتضيه من الحكم ويوجبه، لوجب أن لا يجوز للانسان دخول الحمام حتى يبين مقدار ما يعطي من الأجرة، ومقدار لبثه في الحمام وما يصب على نفسه من الماء، إلا أنهم تركوا القياس في ذلك، واتبعوا عمل الناس، وإجازتهم له.
والمراد بقولهم: عمل الناس: أن السلف من الصحابة وعلما التابعين قد كانوا يشاهدون الناس يفعلون ذلك، فلم يظهر من أحد منهم نكير على فاعله، فصار ذلك إجازة منهم له،