أحدها: أن قائله لم يرجع في إثباته إلا إلى دعوى.
والآخر: أن الأصول قد حكمت بفساد كل قول لا دلالة لقائله على صحته.
والآخر: أنه يؤدي إلى تضاد الاحكام والمقالات، وذلك منتف عن أحكام الله تعالى بقوله تعالى: " ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ".
ومن أشكال ذلك: ما يقوله بعض أصحاب الشافعي في العلتين إذا أوجبتا حكما واحدا، وإحداهما أعم من الأخرى، أن أعمهما أولى بالصحة، فيقتصر في تصحيح أعمهما على هذا القول، من غير أن يعتضده بدلالة.
وذلك نحو قولهم في علة الاكل: إنها أعم من علة المقتات المدخر لان كل مقتات مأكول، وليس كل مأكول مقتاتا، ونحو ما نقوله في علة بعض الطهارة بخروج النجاسة، وعلة من يعتبرها بخروج النجاسة من السبيل فعلتنا أعم، ولا يصح لنا أن نقول: إن علتنا أولى لكونها أعم، من غير أن نقرنها بدلالة، وهو نظير ما قدمناه في إنكار الاحتجاج لصحة العلة بجريها في معلولها، وذلك لان القائل بأعم العلتين، إنما اقتصر على الدعوى في زيادة المعلولات التي ادعاها من غير أن يعضدها بدلالة، فقوله ساقط.
بل لو قال قائل: إن أخصهما أولى، جاز له الاحتجاج به على خصمه لاتفاقهما على وجود حكم الأخص، واختلافهما في الأعم، مع عدم الدلالة على ثبوتها، والذي يلزم القائل بالأعم إقامة الدلالة على صحة علته على الشروط التي ادعاها، فإذا صححتها الدلالة، صح حينئذ اعتبار عمومها، ما لم يعرض فيها ما يوجب تخصيص حكمها.
فإن قال قائل: القول بأعم العلتين واجب، كوجوب القول بأعم اللفظين إذا أوجبا حكما واحدا.
قيل له: لعمري إن (القول) بأعم العلتين واجب إذا قامت الدلالة على صحتها، فاما اعتبار أعمها قبل إقامة الدلالة على كون المعنى الأعم علة للحكم، فقول