إياها، هي الدلالة الموجبة لصحتها، فلم نكن فيما ادعيناه من صحة العلة مقتصرين على الدعوى حين عضدناها بدلالة غيرها وهي ما وصفنا.
قيل له: قولك: إنه لم يدفعها أصل غلط ثان، بل الأصول كلها تدفعها، لان الأصول التي هي الكتاب والسنة والاتفاق وحجة العقل، قد حكمت ببطلان قول لم يعضده قائله بدلالة.
قال الله تعالى: " قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين " وقولك: إنها من عند الله تعالى دعوى لا دلالة عليها، بل يقول خصمك: إنها من عند غير الله تعالى: (إذ لا دلالة لك عليها أكثر من دعواك لها، ولو كانت من عند الله تعالى، لما أخلى الله تعالى) من دلالة تدل عليها.
فصارت حقيقة قولك هذا: أن الدلالة لم تقم على فسادها، وقول القائل: إن الدلالة لم تقم على فسادها دعوى ليس بدلالة على صحة الدعوى، لان لخصمه أن يقول له: أفأقمت الدلالة على صحتها؟ فإن قال: نعم. قيل له: فهلم تلك الدلالة.
وإن قال: ليس ها هنا دلالة على صحتها غير عدم الدلالة على فسادها.
(قيل له: فقل مثله في نفس المذهب، أنه لم تقم الدلالة على فساده، وقد استغنيت عن ذكر العلة، فإذا لم يسغ لك هذا في نفس المذهب، فالعلة مثله، لأنك مدع فيهما جميعا.
ويقال له أيضا: ما أنكرت أن يكون الدليل على فسادها أنه لا دلالة لك على صحتها.
وقد حكمت الأصول: بأن كل مذهب لم تقم الدلالة على صحته فهو فاسد، فلما عريت علتك هذه من دلالة تدل عليه صحتها، دل على فسادها).