قال أبو بكر: الأصل في ذلك ما قد تقدم ذكر بعضه فيما سلف، ونحن نعيده ليكون البناء عليه، وهو أن الاحكام على ضربين:
أحدهما: لا يجوز فيه النسخ والتبديل، وهو ما يعلم وجوبه أو حظره من جهة العقل قبل ورود السمع.
وذلك نحو وجوب اعتقاد التوحيد، وتصديق الرسل عليهم السلام، وشكر المنعم، والإنصاف. ونحو ذلك.
وما دل العقل على حظره قبل مجئ السمع، كالكفر والظلم، ونحوهما.
والأول حسن لنفسه، يقتضي وجوبه على سائر العقلاء.
والثاني: قبيح لنفسه يقتضي العقل حظره، فهذان البابان لا يجوز فيهما النسخ والتبديل، ولا يختلف فيهما أحكام المكلفين، لا يجوز أن يتعبد بعضهم فيها بشئ، وبعضهم بخلافه، ولا يختلف حكمهما باختلاف الأحوال والأزمان.
وقسم ثالث: ليس بقبيح لنفسه، وجائز أن يكون قبيحا في حال: وحسنا في حال أخرى، فمتى أدى إلى قبيح (كان قبيحا)، لا يتعبد الله تعالى به.
ومن لم يؤد إلى قبيح، صار حسنا، يجوز ورود العبادة به.
وهذا القسم مما يجوز فيه النسخ والتبديل، ويجوز اختلاف الحكم منه باختلاف الأحوال والأزمان.
ويجوز أن يتعبد بعض المكلفين فيه بشئ، ويتعبد آخر منهم بخلافه، على حسب ما يعلم الله تعالى فيه من المصحلة.
ويجوز ورود العبادة بحظره، لعلمه أنه يؤدي إلى قبيح.
ويجوز إيجابه في حال أخرى، لعلمه بالمصلحة فيه.
ويجوز إباحته في أخرى من غير إيجاب، إذا علم أن ذلك أصلح، وهذه (في) العبادات التي تعبد الله تعالى بها من طريق الشرع.