ومع ذلك فإنا نطلق العلة فنقول: إن علة الحكم كيت وكيت، إن كان حكمها مخصوصا في بعض المواضع، كما أطلق الله تعالى قطع السراق، وقتل المشركين، والمراد البعض. ولا يحتاج أن يشرط موضع التخصيص من العلة من طريق اللفظ، كما لم يذكر الله تعالى دلالة التخصيص في أسماء العموم مقرونة باللفظ.
قال أبو بكر: ولست واجدا أحدا من الفقهاء إلا وهو يقول بتخصيص العلة في المعنى، وإن أباه في اللفظ.
ألا ترى: أن جميع من يخالفنا ذلك يقول في قليل الماء إذا وقعت فيه نجاسة: إنه نجس، لملاقاته للنجاسة، ثم قالوا في الثوب والبدن إذا اصابتهما نجاسة: إنهما يطهران بموالاة الغسل وصب الماء عليهما، ولو مروا على القياس لما طهرا أبدا، لان كل جزء من الماء لا يزايل الثوب إلا بعد ملاقاته لماء نجس، وكذلك هذا في دخول الحمام بغير أجرة معلومة، يلزم في القياس أن لا يجزه إلا بأجر معلوم، ومقدار معلوم، في مدة اللبث، وصب الماء.
وقد جعل الشافعي علة تحريم بيع الحنطة بالحنطة كيلا بكيل هي مأكول جنس، ثم أجاز بيع التمرة بخرصها في العرايا من غير مساواة في الكيل، مع وجود علة إيجاب المساواة فيها من جهة الكيل.
فإن قيل: إنما هذا كلام في جهة المساواة، والمساواة موجودة في بيع العرية بالخرص والمساواة غير العرية بالكيل.
قيل له: هذا غلط، لان المساواة لا يختلف حكمها فيما كان مكيلا، أنه بالكيل، وفيما كان موزونا بالوزن.
والخرص لا تحصل به مساواة، لأن الخرص إنما هو من الظن والحسبان، وما لا يوصل إلى حقيقته، فقولك: إن المساواة توجد في العرية بالخرص خطأ.
وقال الشافعي: القياس إيجاب الوضوء من قليل النوم، وتركه للأثر.
وقال في الأجير المشترك: القياس أن لا يضمن، ثم ترك القياس فيه، وقال بإيجاب ضمانه في بعض المواضع.