قيل له: الفصل بينهما: أن الاحكام قد يجوز أن تختلف فيها أحكام المكلفين، فيكون بعضهم متعبدا بحظر شئ، وآخر متعبدا في تلك الحال بإباحته.
وجائز أن يكون المكلف متعبدا في حال بالحظر، وفي حال أخرى بالإباحة، فلما اختلفت أحكام المكلفين في العبادات جاز أن يكون بعضها منصوصا عليه، يشترك الجميع في حكمه، وبعضها مدلولا عليه، مستدركا من طريق القياس.
فمن أداه قياسه إلى الحظر كان متعبدا به دون غيره ممن أداه قياسه إلى الإباحة.
وليس في الأصول تكليف بعض الناس تسمية شئ باسم، وتكليف آخرين أن يسموا ذلك الشئ بعينه بغير ذلك الاسم، وأن لا تسميه بالاسم الذي كلف الآخر تسميته به، ولا وجوب تسميته في حال، وحظرها في أخرى، مع تساوي أحوال المسميات.
ألا ترى أن اسم: الصلاة، والصوم، والايمان، والكفر، قد تساوى الناس كلهم في تسميتها على حسب ما ورد الشرع بها، ولم يكلف بعض الناس أن يسميها صلاة وبعضهم أن لا يسميها صلاة، مع استواء الحكم فيها في الحالين، وكذلك لم يكلف أحد أن يسميها اليوم صلاة، ولا يسميها بها غدا. وكذلك سائر أسماء الشرع.
فلما كان ذلك كذلك علمنا أنها جارية مجرى أسماء اللغة. فلو أن إنسانا سمى الماء خمرا، وسمى الفرس رجلا، لما صار ذلك اسما لها في اللغة، سواء (قاله قياسا) أو وضعا، من غير قياس على أصل.
كذلك أسماء الشرع بهذه المثابة، لا يصير بما يثبته فيها قياسا اسما له، إذ كان إنما يختص به القائس، ولا يصير به متعالما مشهورا عند أهل الشريعة، لا فرق بين أن يسميه بذلك قياسا، أو وضعا من غير قياس، في باب أنه يصير اسما له في الحالين.