فثبت لما وصفنا أن اختلاف المجتهدين ليس ما ذمه الله تعالى بهذه الآيات.
ولو كان ذلك اختلافا مذموما، لوجب أن يكون اختلاف العبادات الواردة من طريق النص مذموما، نحو اختلاف فرض المقيم والمسافر في الصلاة والصوم، واختلاف حكم الطاهر والحائض فيهما.
فلما كان ذلك اختلافا في أحكام المتعبدين، ولم يكن معيبا ولا مذموما، بل كان حكمة وصوابا من عند الله تعالى، ولم ينفه قوله تعالى: " ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا "، لان اختلاف الذي نفاه الله تعالى عن كتابه، وأحكامه، هو اختلاف التضاد والتنافي، وذلك غير موجود في أحكام الله تعالى.
وسبيل المجتهدين إذا اختلفوا سبيل المتعبدين بالأحكام المختلفة من جهة النصوص والاتفاق، لان كلا منهم متعبد بما أداه إليه اجتهاده، وغير جائز له تخطئة غيره في مخالفته إياه.
وإن كان ما تعبد به خلاف ما تعبد به غيره.
كما لا يجوز للمسافر تخطئة المقيم في مخالفة حكمه لحكمه، ولا يجوز للحائض تخطئة الطاهرة فيما تعبد به كل منهما من الحكم، كان كذلك حكم المجتهدين إذا اختلفوا على هذا الوجه وهم جميعا مصيبون.
وأما الحكم بالظن والهوى، فإن المجتهد لا يجوز له الحكم بالظن والهوى، وإنما عليه اتباع الامارات والشواهد، والأشباه التي نصبها الله تعالى في الأموال، وجعلها أمارات لاحكام الحوادث، ولو كان المجتهد حاكما بالظن والهوى لكان المتحري للكعبة حاكما بالهوى، ولكانت الصحابة حين تكلموا في مسائل الفتيا متبعين للهوى حاكمين بالظن،