باب:
الاحتجاج لما قدمنا ذكره قال أبو بكر: الأصل في ذلك أن العلل الشرعية ليست عللا موجبة لأحكامها على الحقيقة، وإنما هي أمارات منصوبة لإيجاب أحكام الحوادث، وسميت عللا مجازا، تشبيها لها بالعلل العقلية الموجبة لأحكامها.
والدليل على أنها غير موجبة لأحكامها: جواز وجودها عارية منها، ولو كانت موجبة لاستحال وجودها عارية منها، كالعلل العقلية، لما كانت موجبة لأحكامها استحال وجودها عارية.
فلما وجدنا المعاني التي سميناها عللا لأحكام الحوادث قد كانت موجودة قبل ورود الشرع، غير موجبة لهذه الأحكام، ثبت أنها غير موجبة لأحكامها، وإنما وجب الاحكام بها من حيث جعلها الله تعالى أمارات لها.
ألا ترى: أن ما جعله القائسون عللا لتحريم التفاضل على اختلافهم، قد كان موجودا في تلك الأصناف غير موجب للتحريم، فعلمنا بذلك: أنها لم توجب هذه الأحكام بأنفسها، وأن الاحكام إنما تتعلق بها من حيث جعلت أمارة لها.
فلا يمتنع إذا كان هذا على ما وصفنا: أن يجعل علامة في حال دون حال، وفي موضع دون موضع، كما جاز أن يجعله أمارة للحكم، بعد أن لم تكن كذلك، وهذا حكم جار في كل ما يجوز فيه النسخ والتبديل.