حكم الله تعالى عندنا فيهم يكون من طريق النص، دون الرأي والاجتهاد.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: " إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا أخطأ فله أجر واحد " فإنه يحتمل أن يريد إذا أصاب الأشبه المطلوب الذي يتحرى المجتهد موافقه - وإصابته باجتهاده - (فله أجران) وان أخطأه فله أجر واحد، فيكون مصيبا للحكم في الحالين، مخطئا في أحدهما للأشبه، لا للحكم، إذ لم يكن الأشبه هو الحكم على ما بيناه، وليس هذا الخطأ خطأ في الحكم، وإنما هو خطأ للأشبه الذي لم يكلف إصابته، كخطأ الرامي للكافر.
فإن قال قائل: فإذا كان مصيبا للحكم في الحالين، فكيف يجوز أن يستحق في أحدهما أجرين، وفي الآخر أجرا واحدا؟
قيل له: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخبر عن المستحق من الاجر عن الاجتهاد، وإنما أخبر عما يعطيه الله تعالى ويجعله على جهة الوعد له بالتفضيل، وليس يمتنع ذلك عندنا، لأنه جائز أن يكون في معلوم الله تعالى أنه إذا وعد أحدهما زيادة أجر، وإن لم يكن مستحقه أن لا يقع منهما تقصير في المبالغة في الاجتهاد، وطلب الأشبه.
وأنه إن لم يعد ذلك أحدهما وقع منهما فتور في المبالغة في الاجتهاد، كما هو جائز (متعالم بيننا أن يقول حكيم) من الحكماء لرجلين: إرميا هذا الكافر، فمن أصابه منكما فله ديناران، ومن أخطأه فله دينار واحد، فلا يكون (ممتنعا، ويكون) الفضل المشروط للمصيب منهما، تحريضا لهما، وتطييبا في وقوع المبالغة في التسديد، وتحري إصابة المرمى، وإن لم يكن مستحقا، وأنه لو لم يقل ذلك لوقع منها فتور في المبالغة، والاستقصاء في ذلك.
كذلك جائز أن يكون ما جعله النبي صلى الله عليه وسلم من زيادة الاجر للمصيب الأشبه، غير مستحق بنفس الاجتهاد، وإنما وعد بها تحريضا وحثا على التقصي في الاجتهاد، والمبالغة في تحري المطلوب.