في قولهم بالاجتهاد والقياس، وذلك أنهم زعموا: أن قول الصحابة في الحوادث كان على وجه التوسط والصلح بين الخصوم، وعلى جهة بون المسائل، لا على وجه قطع الحكم وإبراهم القول، فكان عندهم: أنهم قد حسنوا مذهبهم بمثل هذه الجهالة، وتخلصوا من الشناعة التي لحقت النظام، بتخطيئة السلف.
ثم تبعهم رجل من الحشو متجاهل لم يدر ما قال هو، ولا ما قال هؤلاء، وأخذ طرفا من كلام النظام، وطرفا من كلام بعض متكلمي (بغداد من) نفاة القياس، فاحتج به في نفي القياس والاجتهاد، مع جهله بما تكلم به الفريقان، من مثبتي القياس ومبطلية، وقد كان (مع ذلك) ينفي حجج العقول، ويزعم أن العقل لاحظ له في إدراك شئ من علوم الدين، فأنزل نفسه منزله البهيمة، بل هو أضل منها، كما قال الله تعالى (إن هم إلا كالانعام بل هم أضل). ونحن نذكر ما احتج به أهل الحق في إثبات القياس والاجتهاد من الكتاب والسنة واتفاق الأمة، ثم نعقبه ببيان وجوه القياس وفروعها، وما يتعلق بها إن شاء الله تعالى.
فمما احتجوا به في إباحة الاجتهاد في الاحكام من كتاب الله تعالى: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة، وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) إلى قوله تعالى: (فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما) فدلت هذه الآية على جواز الاجتهاد من وجهين: أحدهما: قوله تعالى:
(وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) والمعروف إنما يوصل إليه بغالب (الظن)