وعن عمرو بن العاص، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد)، (قالوا): فهذه الأخبار تنبئ عن خطأ المجتهدين في الفتيا، وهي نافية لقول من قال: كل مجتهد مصيب.
الجواب: أما حديث بريدة في قوله صلى الله عليه وسلم: فإنكم لا تدرون ما حكم الله تعالى فيهم يحتمل معنيين:
أحدهما: أنه قد كان جائزا ورود النسخ على الحكم الذي كانوا عرفوه حين فارقوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا تنزلوهم على ذلك الحكم، لأنكم لا تأمنون أن يكون قد نسخ بعد غيبتكم وأنتم لا تدرون به.
والمعنى الاخر: حكم الله تعالى فيهم إذا نزلوا عليه موكول إلى اجتهادنا عند نزولهم، فيلزمنا إمضاؤه على الوجه الذي يكون أرد عن الاسلام وأصلح: من قتل، أو سبى، أو من، واستبقاء، ووضع الجزية، وما جرى مجرى ذلك، وهذا لا يختلف مواضع الاجتهاد فيه بحسب أحوال القوم.
فأحتمل أن يكون مراده صلى الله عليه وسلم: فلا تنزلوهم على حكم الله تعالى، وأنتم الان قبل نزولهم لا تدرون ما حكم الله تعالى فيهم، وإنما تعلمونه إذا اجتهدتم في أمورهم بعد نزولهم، ولا تنزلوهم على ذلك إذا لم يكن عند القوم أنكم تحكمون فيهم بحكم الله تعالى من طريق الرأي والاجتهاد، لا من طريق النص والتوقيف. فيكون فيه ضرب من التعزير لهم مما (لم) يكونوا يعلمونه، وعسى أن يكونوا إنما يدخلون معهم في ذلك على أن عندهم أن