وأنت تزعم أن المجتهد مأجور في اجتهاده، ومعذور في خطئه، فكيف يجوز أن يكون مأجورا في اجتهاده المؤدي إلى خلاف حكم الله تعالى، وكيف يكون معذورا في مخالفة حكم الله عز وجل الذي نصبت عليه الأدلة. وجعل له السبيل إلى إصابته.
فإن بما وصفنا تناقض هذا القول وفساده.
ثم يقال لهم: إن كان لله تعالى على أحكام الحوادث دلائل قائمة توصل الناظر فيها إلى حقيقة المطلوب. فلم عذروا في ترك إصابة مدلولها؟
وما الفرق بين حوادث الفتيا والحوادث التي خرجوا فيها إلى القتال، واللعن، والبراءة.
ودلائل الجميع قائمة.
وكيف اختلف أحكام المختلفين فيها، (و) أحكامهم فيما (وصفنا، مما) (لا) خلاف فيه يوجب البراءة.
فثبت بذلك أن أحكام حوادث الفتيا كانت موقوفة عندهم على ما يؤدي إليه اجتهاد المجتهدين، وأما ما صار إليه كل واحد منهم باجتهاده هو الحكم الذي تعبد به دون غيره.
فإن قال قائل: إنما ترك النكير بعضهم على بعض في حوادث مسائل الفتيا مع الخلاف. لأنهم كانوا مما قالوه على غالب ظن، ولم يكونوا على يقين أنه الحق عند الله تعالى دون غيره، وقد كان مخالفوهم يدعون مثل ذلك لأنفسهم فيما صاروا إليه من خلافهم، فلذلك جاز لكل أحد منهم ترك النكير على مخالفه فيما صار إليه لتساويهم في تجويزهم أن يكون مخالفوهم قد أصابوا الحق دونهم.