وإذا كان ذلك كذلك، فالوصف الذي هو علم الحكم وأمارته - ويعبر عنه بأنه (علة له) - لا يعلم أنه كذلك إلا بالاستدلال عليه، ولا يسوغ لأحد اقتضاب بعض أوصافه، وجعله علة للحكم من غير دلالة، وذلك لان الخلاف بين المختلفين في علة المسألة (كهو في أصل المسألة)، فإذا لم يجز أن يسلم لمدعى الحكم دعواه بغير دلالة، كذلك مدعى العلة لا يجوز له الاقتصار بها على دعواه دون إقامة البرهان عليها من وجوه (الدلائل، فالعلل) مختلفة:
فمنها: أن تكون العلة منصوصا عليها.
فيجب اعتبارها في نظائرها، كما اعتبر عمر رضي الله عنه قوله تعالى: (كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم) فيما خالفه فيه قوم من الصحابة في قسمة السواد فحين نبههم على موضع الاعتلال عرفوا صحة استدلاله، ورجعوا إلى قوله.
وكقوله تعالى بعد ذكر صلاة الخوف (ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة) فجعل العلة في إباحة صلاة الخوف عند لقاء المشركين ما ذكر من محبتهم لاستغفالنا عن التأهب لقتالهم، فلو قاتلنا البغاة والخوارج جاز لنا صلاة الخوف لهذه العلة، وإن كانت الآية نازلة في المشركين، لوجود العلة التي ذكرها في البغاة والمحاربين.