حرام، فقال له: حرمت عليك، فإذا سئل الاخر (قال): هي مباحة لك، على النكاح الأول، وغير جائز أن يبيح الله عز وجل، ما يوجب تضاد أحكامه وتنافيها.
فيقال له: إن أصل ما بني عليه هذا الباب ينبغي أن نضبطه، حتى نزول عنك فيه الشبهة من هذه الجهة، وتكنينا ونفسك فيه المؤنة، وهو أن القائسين إنما يجيزون اجتهاد الرأي على الوصف الذي ذكرت، فيما يجوز فيه النسخ والتبديل، وفيما يجوز ورود التعبد فيه بالحظر تارة، وبالإباحة أخرى، ويجوز فيه المخالفة بين أحكام المتعبدين، كما حظر على الحائض الصلاة، والصوم، وأوجبهما على الطاهر، وجعل فرض المسافر ركعتين، وفرض المقيم أربعا.
وإذا كان ما يجوز فيه الاجتهاد من المسائل هو من هذا القبيل، لم يقع في آراء المجتهدين تضاد ولا تناف، لان كل واحد فإنما تعبد بما يؤديه إليه اجتهاده، فتعبد هذا بالحظر، وهذا بالإباحة، على وجه يجوز ورود النص بمثله فإن استوت عند المجتهد جهة الحظر، وجهة الإباحة عند من يجيز تساوي الجهتين فيهما كان مخيرا، في أن يلزم نفسه أيهما، فينفذه، ويمضي عليه، وسنوضح القول فيه إن شاء الله تعالى إذا انتهينا إلى الكلام في الاجتهاد.
وأما المستفتي: فإنه إذا أفتاه مفت بالحظر، وآخر بالإباحة، فإن المفتي غير جائز له أن يفتيه بمذهبه على جهة إطلاق القول فيه: غير مضمن بشريطة، وهو أن يقول له: إن اخترت فتياي وألزمتها نفسك فهذه المرأة حرام عليك.
وإن اخترت فتيا من يفتيك بالإباحة، فهي مباحة لك، فيكون الذي يلزم المستفتي، أحد شيئين: من حظر، أو إباحة، وهو ما يختاره من قول أحدهما، ويكون الذي تعلق به الحظر والإباحة، (معتبرا في حالين، لان الحظر والإباحة) في الحقيقة إنما يتناولان فعل المباح له ذلك: من الاستمتاع، والنظر، والوطء، ونحوه.