الجميع في منع البناء، فلما صح عندنا الخبر سوينا بينهما في جواز البناء بالإجماع، لأنه لا فرق بينهما.
وكذلك المجامع في رمضان ناسيا، إنما جعلناه في حكم الآكل ناسيا، لان كل من لم يفطره بالاكل، لم يفطره بالجماع.
فلما صح عندنا الأثر في ترك الافطار به كان الجماع مثله بالاتفاق.
وأيضا: فإن هذا الضرب من الجمع بين حكم الآكل والمجامع، وبين سائر الاحداث التي تسبق المصلي، وبين القئ والرعاف، ليس بقياس عندنا، لما بينا فيما تقدم:
من أنه (قد ثبت) أن الصوم الشرعي هو الإمساك عن الأكل والشرب والجماع.
فإذا ورد الخبر في أن الاكل ناسيا لا يفطر، فقد أفاد أن الجماع في حكمه، لتساويهما في الأصل، في باب أن عدمهما شرط في صحة الصوم الشرعي، على ما بيناه فيما سلف.
ومن نظائر ما ذكروا من ترك القياس على المخصوص ما قالوا في الاستصناع: إن القياس عندهم لا يجوز، لأنه بيع ما ليس عند الانسان في غير السلم. وأجازوه لمشاهدتهم فقهاء السلف غير منكريه عليه فاعليه مع شهرته واستفاضته في العامة حينئذ، فكان ذلك عندهم اتفاقا منهم على جوازه. ثم لم يقيسوا عليه جواز الاستصناع في الثياب ونحوها، فيما لم تجر العادة من الناس باستصناعه في ذلك الزمان، إذ كان القياس في الأصل مانعا (منه) فما خص من جملة موجب القياس بأثر أو اتفاق، فكان مسلما له، وما عداه فهو محمول على قياس الأصل.
والدليل على صحة هذا الأصل: أن القول بوجوب القياس قد ثبت عندنا بما قدمنا، فهو واجب أبدا، حتى تقوم الدلالة على تخصيصه، فإذا خص منه شئ لم يبطل حكم القياس الأصلي في لزوم إجراء علته في معلولاته، والحكم للفرع بحكم أصله، إلا بأثر أو اتفاق.