فصل اختلف أهل العلم فيما يوجبه الاجتهاد من الأحكام، هل يسمى دينا لله تعالى؟
فقال قائلون: (لا يقال: إنه دين) لله تعالى، لأنه يوجب أن يكون الله تعالى قد شرع لنا أديانا مختلفة، على حسب اختلاف المجتهدين.
ويلزم قائله أيضا: أن دين الله تعالى يحل تركه والعدول عنه، ولو جاز ترك دين الله تعالى لجازت مخالفة الرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن الناس من يطلق أنه دين الله تعالى، لأنه لو لم يكن دينا لله تعالى لكان فيه إحلال الفروج والدماء والأموال بغير دين الله تعالى.
قال أبو بكر: والصحيح أنه دين لله تعالى (ومن أبى إطلاق ذلك فإنما خالف في الاسم لا في المعنى، لان أصحاب الاجتهاد كلهم مجمعون أن الله تعالى) قد فرض القول به على من أداه إليه اجتهاده، وأن العامل به عامل من الله تعالى، وما ألزمونا من إيجاب أن لله تعالى أديانا مختلفة، فإنه لا يلزم، لأن اختلاف الفروض من جهة النص لم يلزمهم (ذلك).
كذلك إذا قلنا من جهة الاجتهاد: لم يلزمنا، وإنما يمتنع إطلاق ذلك على مذهب من يجعل الحق في واحد، وما عداه خطأ، فلا يطلق: أن دين الله تعالى، لأنه لا يأمن أن يكون ما أداه إليه اجتهاده خطأ، ليس هو الحكم المطلوب.
فأما من أعطى أنه مصيب للحق عند الله تعالى، وأن حكم الله تعالى على كل واحد في أحكام الحوادث ما أداه إليه اجتهاده، فلا وجه لامتناعه من اطلاق القول: بأن ما فرضه الله تعالى عليه من هذا الوجه هو دين الله تعالى.