واحتج بعض مبطلي القياس: بأن أصول الشريعة، لم تثبت إلا من طريق السمع، فوجب أن لا يثبت منها شئ، إلا من جهة السمع.
قال: وليس ذلك حكم العقليات، لان أصولها ثابتة من غير جهة السمع.
والجواب: أن هذا فاسد، لأنه يقتضي أن لا يثبت المستدل عليه إلا من حيث يثبت دليله، وقد ثبت معرفة الباري تعالى من جهة الاستدلال بالمحسوسات، وإن لم يكن هو تعالى محسوسا، فانتقضت هذه القاعدة.
ولما جاز أن تثبت لنا معرفة الباري تعالى من جهة دلالة المحسوسات عليه، وكان العلم بالمحسوسات علم اضطرار، والعلم بالباري تعالى علم اكتساب، جاز أيضا أن تكون أصول الشرع مأخوذة من طريق السمع، ويكون فروعها معلومة من جهة الاستدلال بالسمع على الوجه الذي ذكرناه.
على أن هذا القائل مناقض في احتجاجه بهذا في نفي القياس، لان تحريمه القياس حكم من جهة الشرع، وقد أثبته من جهة القياس من طريق السمع، فمن حيث رام بما ذكر نفي القياس فقد أثبته، وناقض (في) احتجاجه.
فإن قال: إنما احتججت في نفي القياس الشرعي بقياس عقلي، ولست آبى القول بالقياس العقلي.
قيل: وكذلك إثباتنا للقياس الشرعي، إنما أثبتناه بالقياس العقلي، لما في الأصول من الدلالة عليه ولزوم القول به.
واحتج آخرون منهم: بأن أحكام الشرع ليست مبنية على مقادير العقول، لأنا وجدنا الله تعالى قد حكم في أشياء مشتبهة بأحكام مختلفة. وفي أشياء مختلفة بأحكام