أحدهما: يوصل إلى العلم بالمدلول. وهو النظر في دلائل العقليات، إذا نظر فيها من وجه النظر. وكثير من دلائل أحكام الحوادث التي ليس عليها إلا دليل واحد، قد كلفنا فيها إصابة المطلوب.
والضرب الثاني: يوجب غلبة الرأي وأكبر الظن، ولا يفضي إلى العلم بحقيقة المطلوب. وذلك في أحكام الحوادث التي طريقها الاجتهاد ولم يكلف فيها إصابة المطلوب، إذا لم ينصب الله تعالى عليه دليلا قاطعا يفضي إلى العلم (به)، فيسمى ذلك دليلا على وجه المجاز، تشبيها له بدلائل العقليات ودلائل أحكام الحوادث التي ليس لها إلا دليل واحد. وسنبين ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى.
وكذلك القياس على وجهين:
أحدهما: القياس على علة حقيقية موجبة للحكم المقيس، وهي علل العقليات على الحد الذي وصفنا.
والثاني: قياس أحكام الحوادث على أصولها من النصوص، ومواضع الاتفاق، وغيرها.
فما كان هذا وصفه، فليس بعلة على الحقيقة، لأنا قد بينا أن العلة على الحقيقة، هي ما كان موجبا للحكم، يستحيل وجودها عارية من أحكامها.
وعلل الشرع التي يقع القياس عليها، لا يستحيل وجودها عارية من أحكامها.
ألا ترى: أن سائر العلل التي تقيس بها أحكام الحوادث، قد كانت موجودة غير موجبة لهذه الأحكام، إذ كانت هذه العلل هي بعض أوصاف الأصل المعلل، وهذه الأوصاف قد كانت موجودة قبل حدوث الحكم، غير موجبة له، وإنما هي سمات وأمارات الاحكام، يستدل بها عليها، كدلالة الأسماء على مسمياتها في الاحكام المعلقة بها، فلا تكون موجبة لها، لوجودنا هذه الأسماء غير موجبة لهذه الأحكام. وإنما هي سمة وعلامة، جعلت