وأما وجه استحسانهم في هذه المسألة: إنما هو قياسا على أصل آخر، وهذا هو الفرع الذي يتجاذبه أصلان. وأحدهما أولى به من الآخر.
فأما الأصل الذي سماه قياسا: فهو أنه لا خلاف أن قوما لو اجتمعوا فأكرهوا امرأة حتى زنا بها رجل منهم، أن الحد على الذي ولي الزنا منهم، دون من أعان عليه، فكان القياس على ذلك أن يكون القطع على من ولى إخراج المتاع، دون من ظاهر فيه وأعان عليه، فهذا هو القياس الذي ذكر أنه تركه.
ثم وجدوا أصلا آخر يقتضي إلحاق السارق به دون غيرهم، وهم قطاع الطرق الذين يتعاونون على قطع الطريق، وقتل النفوس، وأخذ الأموال على جهة الامتناع والتظاهر، ثم لم يختلف حكم من ولي القتل، وأخذ المال، وحكم من ظاهر، وأعان عليه، واشتركوا جميعا في استحقاق الأحكام المذكورة في قوله تعالى: " إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا ". الآية، لأجل اشتراكهم في السبب الذي به توصلوا إلى أخذ المال، وقتل النفوس، وهو الخروج على جهة الامتناع والمحاربة.
كذلك السارق لما اشترك الجميع في السبب الذي به تعلق وجوب القطع وهو انتهاك الحرز وأخذ المال على وجه الاستسرار، وجب ألا يختلف حكم من ولي إخراج المتاع، وحكم من ظاهر فيه، وأعان عليه، فكان إلحاقه بهذا الأصل الذي فيه أخذ المال على جهة الاشتراك في السبب والتظاهر عليه أولى منه بالزاني.
ومن نظائر ذلك أيضا: أن جيشا من المسلمين لو دخلوا دار الحرب وغنموا غنائم أنهم يستحقون السهمان: من قاتل منهم ومن أعان، فاستووا جميعا في الحكم عند اشتراكهم في السبب الذي به حصلت الغنائم، وهو المنعة والمظاهرة على القتال، فصارت مسألة السرقة بهذين الأصلين أشبه منها بمسألة الزنا التي إنما يتعلق الحكم فيها بوجود الفعل دون سبب آخر غيره، ويحصل فيه الاشتراك.