وكذلك سائر ما اختلف فيه أهل الملة من صفات الله تعالى وأسمائه، لتناقض القول به، واستحالته.
فلما كان ذلك كذلك لم يجز أن يكلفوا القول بالمذاهب المختلفة، من طريق النظر والاجتهاد وعليه الرأي، وجاز تكليفهم القول بأحكام الحوادث على ما يؤديهم إليه الاجتهاد، لجواز ورود النص (به)، على الوجوه المختلفة، ومن جهة أخرى: إن القائلين بهذه المذاهب من أهل الملة على اختلافهم فيها، متفقون قبل عبيد الله بن حسن على إيجاب التأثيم والتضليل بالخلاف فيها، فمن صوب الجميع من المختلفين فهو خارج عما انعقد به إجماع الجميع.
ومن جهة أخرى: إنا قد علمنا حقيقة صحة ما اعتقدناه في هذه الأمور، بدلائل ظاهرة معقولة كدلائل التوحيد، إثبات الصانع القديم، وأنه عدل لا يجور، وتثبيت الرسل عليهم السلام، ونحوها.
فلما كان الله تعالى قد أقام على حقائق هذه الأمور أدلة توجب العلم بمدلولاتها على الوجه الذي ذكرنا، لم يجز أن يكون الذاهب عن الدليل مصيبا، إذ قد جعل له السبيل إلى إصابة الحقيقة من جهة إقامة الدلالة.
وأيضا: فلما كان التكليف في هذه الأمور متعلقا بالاعتقاد.
فلو كان الله تعالى قد أراد من الجبري والمشبه اعتقاد ما اعتقده، لكان مبيحا للجهل به وبصفاته.
ولو جاز ذلك لجاز إباحة الجهل به، وبكونه صانعا قديما، ولو جاز منه إباحة الجهل المكلفين بذلك لجاز منه أن يأمر بالجهل (به)، فلما بطل ذلك علمنا أن الحق (في) واحد من أقاويل المختلفين فيه، وهو ما قامت دلالته وثبتت حجته، وأن من خالف فيه. وعدل عنه، فهو ضال غير مهتد.