قبل حدوثها، لأنه مكلف لاحكام الله تعالى الثابت منها بالنص وبالدليل، ولأنه لا يعلم بوجوب تركها على ما كان عليه قبل حدوثها، إذا كان ذلك سببا مختلفا فيه بين أهل العلم، وإنما يصار إلى معرفة الحق فيه من جهة النظر والاستدلال، وليس معرفة ذلك في طرق العامي.
وغير جائز أيضا أن يقال: إن عليه أن يتعلم الأصول، وطرق الاجتهاد، والمقاييس، حتى يصير في حد من يجوز له الاستنباط، لان ذلك ليس في وسعه، وعسى أن ينفذ عمره قبل بلوغ هذه الحالة.
وقد يكون المبتلى بالحادثة غلاما في أول حال بلوغه، وامرأة رأت دما شكت في أنه حيض، أو ليس بحيض، وقد حضرهما وقت إمضاء الحكم حيث لا يسمع تأخيره، فثبت أن عليه مسألة أهل العلم بذلك وقبول قولهم فيه.
قال أبو بكر: فإذ قد ثبت أن على العامي مسألة أهل العلم بذلك، فليس يخلو إذا كان عليه ذلك من أن يكون له أن يسأل من شاء منهم، أو أن يجتهد، فيسأل أوثقهم في نفسه، وأعلمهم عنده.
فقال بعض أهل العلم: له أن يسأل من شاء منهم، من غير اجتهاد في أوثقهم في نفسه، وأعلمهم عنده.
وقال آخرون: لا يجوز له الاقدام على مسألة من شاء منهم إلا بعد الاجتهاد منه في حالهم، ثم يقلد أوثقهم لديه، وأعلمهم عنده.
فإن تساووا عنده، أخذ يقول من شاء منهم.
وهذا القول هو الصحيح عندنا، وذلك لان عليه الاحتياط (لدينه)، وهو قد يمكنه الاجتهاد في تغليب الأفضل والأعلم في ظنه، وأوثقهم في نفسه، فغير جائز إذا أمكنه الاحتياط بمثله أن يعدل عنه فيقلد بغير اجتهاد منه، إذ كان له هذا الضرب من الاجتهاد.