والاجماع، يوقعان العلم بموجبهما، والقياس لا يوقع العلم بالمطلوب، فلم يجز الاعتراض به عليهما.
وأما المقادير التي هي حقوق الله تعالى (فقد) قدمنا القول فيها فيما سلف.
وأما الحدود والكفارات: فإن من الكفارات ما هي عقوبة، نحو كفارة الافطار في رمضان، والدليل على أنها عقوبة أنها لا تستحق إلا مع المأثم، وتسقطها الشبهة، فكانت كالحدود من هذا الوجه.
ومنها ما ليس بعقوبة، ككفارة قتل الخطأ، وفدية الأذى، وكفارة اليمين، ونحوها، ولا مدخل للقياس (في شئ) منها.
أما ما كان عقوبة، فلأنها بمنزلة الحدود، ولا يجوز إثبات الحدود قياسا، لما نبينه.
وأما ما ليست بعقوبة: فلأنها مقدرة فهي من قبيل المقادير التي ذكرنا أنها لا تثبت قياسا. وأما ما كان عقوبة من الكفارات والحدود فإنما امتنع إثباتها قياسا من وجهين:
أحدهما: أنها مقدرة ولا سبيل إلى إثبات هذا بضرب من المقادير بالقياس على ما تقدم من بيانه.
والوجه الاخر: أن مقادير عقاب الاجرام، لا يعلم إلا من طريق التوقيف، وذلك أن العقوبات إنما تستحق على الاجرام بحسب ما يحصل بها من كفران النعمة.
ومعلوم أن مقادير نعم الله تعالى على عبده لا يحصيها أحد غيره، فلا سبيل إذن إلى علم مقدار ما يستحق من العقاب بالاجرام إلا من طريق التوقيف، فلذلك لم يجز إثباتها قياسا.