وأما من نفى القياس منها: فإنه يجعل وجود هذا التعليل وعدمه سواء، ويجعل الحكم مقصورا على موضع النص، مما تناوله الاسم، دون ما يوجد فيه العلة مما لم ينص عليه.
قال أبو بكر: والأظهر أن الحاق ما يوجد فيه العلة بحكم الأصل، إنما هو من طريق القياس، لا من طريق النص والعموم، لان المنصوص عليه هو ما تناوله الاسم.
وقوله: في دم الاستحاضة الوضوء، لأنها دم عرق، لم يتناول الاسم منه إلا دم الاستحاضة. وقوله إنها دم عرق، ليس بعموم في غير دم الاستحاضة، وإنما هو صفة من صفات المذكور بعينه، دون غيره مما لم يذكر، وليس لان غيره مشارك له في هذه الصفة، ما يوجب أن يكون مذكورا معه، لان رجلا لو قال: زيد قائم، لم يوجب ذلك أن يكون كل قائم مذكورا معه لمشاركته إياه في القيام، وإذا لم يكن جميع ما فيه تلك العلة مذكورا في اللفظ، فإنما يجب إجراء الحكم عليها من طريق القياس، وإنما وجب القياس عليها، لان العلل سبيلها أن تكون موجبة لأحكامها التي هي علة، لها على حسب ما بينا في حكم العلل العقلية. فمتى انفصل الحكم من الله تعالى، ومن رسوله صلى الله عليه وسلم، معللا يوصف من (الأوصاف المذكورة)، علمنا: أنه قد أراد منا اعتباره فيما وجد فيه، وإجراء الحكم عليه في نظائره.
ويعتبر خروج الوصف مخرج التعليل بمنزلة قوله لو قال لنا: هذا الوصف هو علة الحكم، وذلك لأنه يمتنع في خطاب الله تعالى، وخطاب رسوله صلى الله عليه وسلم، وضع الكلام في غير موضعه. فما أخرجه مخرج التعليل، فحقيقته أنه قد أراد منه إجراء الحكم عليه، واعتباره به.
ومما يستدل به على صحة العلة: أن تنحصر علل القائسين على وجوه معلومة، ثم تقوم الدلالة على فساد سائر الوجوه، إلا وجها واحدا منها، فيكون فساد ما عداه من الوجوه، مع العلم بأنه لا بد من أن تكون علة أحد الوجوه دلالة على صحة كونه علة،