وذلك لأنهم لما أجمعوا على أن هناك علة قد تعلق بها الحكم، وأجمعوا (على) أن لا علة في الأصل إلا إحدى ما عللوا به فلا بد من صحة واحدة منهم، إذ غير جائز أن يكون جميعها فاسدا مع اتفاقهم أن الأصل معلول بعلة يجب بها القياس عليه، ومع اتفاقهم أنه لا علة هناك غير ما ذكروا على اختلافهم فيها.
وغير جائز أيضا أن يكون جميعها صحيحة على اختلافها، فإذا قامت الدلالة على فساد سائرها ما عدا الواحدة منها، صحت الواحدة التي لم تقم الدلالة على فسادها.
وهذا كما نقوله أيضا في المذاهب وأقاويل الفقهاء في المسألة: إنهم متى اختلفوا فيها على وجوه معلومة، ثم قامت الدلالة على فساد سائر أقاويل المختلفين إلا واحدا منها، كان قيام الدلالة على فساد سائر الأقاويل غير الواحد منها، دليلا على على صحة ذلك القول.
نحو قولنا في جارية بين رجلين جاءت بولد فادعياه جميعا: إنهم لما اختلفوا فيها على وجوه معلومة، ثم قامت الدلالة على فساد القول بالقرعة، وعلى فساد اعتبار قول القائف وعلى فساد قول من قال: إنه يوقف الامر، ولا يثبت نسبه من واحد منهما، صح القول الرابع، وهو أنه ولدهما ثابت النسب بينهما.
وكذلك سبيل العلل إذا اختلفوا فيها، فلا فرق بينها وبين الاختلاف في المذاهب ومما كان يعتبر أبو الحسن في صحيح العلل وهو أصح الوجوه عندنا فيما طريقة النظر والاستدلال، أن ينظر إلى علل القائسين على اختلافهم فيها مما تعلق بها الاحكام، وكان له تأثير في الأصول. فهو أولى بالصحة مما لا يتعلق به الاحكام، ولا تأثير له في الأصول.
نظير ذلك: أنا إذا اختلفنا في علة تحريم البيع عند وجود التفاضل في البر على الوجوه المعلولة، من اختلاف الفقهاء فيه، وجدنا اعتبار الكيل والوزن أولى، لتعلق الاحكام بهما في جواز البيع، أو فساده، دون القوت والادخار، ودون الاكل على حسب ما بيناه في مواضع في مسألة الربا.
وإنما وجب اعتبار تعلق الاحكام بالمعنى الذي هو علة للحكم، لان العلل هي