في غير موضعه، وأن أفعاله تجري إلى غرض محمود، فوجب أن يكون تعليله للنص موجبا للحكم في نظائره، ما لم ينص عليه، وإلا بطلت فائدة التعليل، وصار وجوده كعدمه.
وسأل داود القائسين سؤالا دل على جهله بمعنى القياس، فقال: خبروني (عن القياس)، أصل أم فرع؟ فإن كان أصلا فلا ينبغي أن يقع فيه خلاف، وإن كان فرعا ففرع على أي أصل؟
قال أبو بكر: والقياس إنما هو فعل القائسين، ولا يجوز أن يقال لفعل القائس: إنه أصل أو فرع، كما لا يقال لقيامه، وقعوده، وسكوته، وحركته: إنه أصل أو فرع.
والدليل على أن القياس فعل القائس: أنك تقول: قاس فلان قياسا، فتجعله فعلا له. كما تقول: قعد قعودا، وقام قياما.
وإنما وجه تصحيح السؤال، أن يقول: خبرني عن وجوب القول بالقياس، أو الحكم بجواز القياس، هل هو أصل أم فرع؟
فيكون الجواب عنه: إن القياس أصل لما بني عليه، وفرع على ما بني عليه، فأصله الذي بني عليه: الكتاب، والسنة، وإجماع الأمة، على حسب ما تقدم من بيانه، وفرعه الذي بني عليه سائر مسائل الحوادث القياسية، التي لا توقيف فيها ولا إجماع.
ويقال له: خبرنا عن وجوب القول بالدليل الذي زعمت أنه لا يحتمل إلا معنى واحدا، أصل هو أم فرع؟ ويسحب عليه السؤال. الذي سأل في القياس. فيما أجاب به فهو جواب القائسين في القول بالقياس.