ومما يوجبه أيضا من السند: حديث معاذ، وتصويب النبي صلى الله عليه وسلم إياه في استعمال الاجتهاد في أحكام الحوادث التي ليس فيها نص ولا اتفاق، وحديث عمرو ابن العاص، وعقبة بن عامر، وقد تقدم ذكرهما.
وأيضا: فقد صح عن الصحابة القول بالقياس والاجتهاد في أحكام الحوادث، بالاخبار المتواترة الموجبة للعلم، بحيث لا مساغ للشك فيه. كل واحد منهم يقول: أجتهد رأيي، فأقول فيها برأيي، ويستعمل القياس، ويأمر به غيره، لا يتناكرونه، ولا يمنعون إنفاذ القضايا والاحكام به.
وكذلك حال التابعين وأتباعهم مستفيضا ذلك بينهم (وقد) وقع العلم لنا بوجوده منهم، كعلمنا بوجود الخلاف كان بينهم في كثير (من أحكام الحوادث فأوجب ذلك علينا القول بالاجتهاد من وجهين):
أحدهما: أنهم لولا علمهم بتوقيف النبي صلى الله عليه وسلم (إياهم) عليه وأن ذلك كان (منهم) متقررا معلوما (عندهم) من شريعته، قد تلقوه عنه وعرفوه من (دينه) لما أطبقوا على القول به هذا الاطباق، حتى لا يوجد فيهم منكر له، ولا متوقف متهيب عن الاقدام عليه، فثبت أنهم قد كانوا تلقوه من النبي صلى الله عليه وسلم توقيفا، كما علمنا بإجماعهم على تولية إمام ينصبونه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنهم تلقوا وجوب اجتهاد الرأي في ذلك توقيفا، وأنهم عرفوه من منهاج شريعته وأركان دينه، لولا ذلك لما توافقت هممهم على القول به.
والوجه الاخر: أن إجماعهم، حجة لا يسع خلافه ولا الخروج عنه، على ما سلف