وأن الباب الآخر الذي سوغ كل واحد منهم مخالفة صاحبه فيه من غير نكير ولا منع.
رأوا أنه ليس لله تعالى على حكمه فيه دليل واحد يفضي إلى العلم به بعينه، وأن كل مذهب منه فله شبيه ونظير من الأصول يسوغ دره إليه، على حسب ما يقتضيه اجتهاد المجتهد، ويغلب في ظنه أن أشبه الأصول بالحادثة.
ولما وجدنا السلف يجيزون قضاء القضاة عليهم - وإن كان بخلاف رأيهم، ومذهبهم في أحكام الحوادث - ويجيزون فتياهم فيها في الدماء والفروج والأموال، من غير نكير ولا تخطئة. دلنا ذلك على أنهم رأوا جميع ذلك صوابا من القائلين به، وأن فرض كل واحد منهم وما تعبد به ما أداه إليه اجتهاده.
ألا ترى: أن أبا بكر قد كان ولى زيد بن ثابت القضاء وهو يخالفه في الجد وغيره، وولى عمر بن الخطاب أبي بن كعب، وشريحا القضاء، وهما مخالفانه في كثير من رأيه ومذاهبه.
وأن عليا ولى شريحا قضاء الكوفة، وابن عباس قضاء البصرة، وهما يخالفانه في أشياء كثيرة.
ابن عباس يخالفه في الجد، وشريح يخالفه في الجد، وكثير من الأشياء يطول شرحها.
واختصم علي إلى شريح مع يهودي في قصة الدرع، فقضى عليه شريح لليهودي.
فقبل قضاءه، وأجازه على نفسه، مع خلافه إياه فيه. فأسلم اليهودي، وقال هذا دين حق تجيزون أحكام قضاتكم عليكم.
وقال عكرمة: بعثني ابن عباس إلى زيد بن ثابت أسأله عن زوج وأبوين.
فقال: للزوج النصف، وللأم ثلث ما بقي، وما بقي فللأب، فأتيت ابن عباس فأخبرته.
فقال (ابن عباس): عد إليه فقل له: أتجد في كتاب الله تعالى ثلث ما بقي،