قيل له: لما انعقد إجماع السلف والخلف بذلك فيما طريقه الاجتهاد، وصار حكمه حينئذ ما حكم به الحاكم دون ما أداه إليه اجتهاده، كما كما لوبان له ضرب من الرجحان في خلاف قوله الذي اعتقده، وجب عليه الانتقال إليه، وكان ذلك حكمه الذي تعبد به دون الأول.
ومن سؤالاتهم في ذلك: أنه لو كان كل مجتهد مصيبا، لما جاز لكل واحد من المجتهدين أن يقول: قولي أصوب، وأولى من قول مخالفي، ولما كان دعاؤه للناس إلى قوله بأولى من دعائه إلى قول مخالفيه. فلما وجدنا كل واحد من المجتهدين إنما يدعو إلى قول نفسه دون قوله مخالفيه، ويزعم أن قوله أولى من قولهم وأصوب، دل ذلك على أنه إنما ساغ له ذلك، لان عنده أنه هو المصيب وأنهم مخطئون.
وأيضا فلو كان كل مجتهد مصيبا، لارتفعت المناظرات من المجتهدين، لأنه غير جائز له أن يناظر ليرده عن صوابه، إذ غير جائز لأحد أن يرد غيره عن صواب هو عليه.
وأيضا: فإن هذا يوجب بطلان مراتب العلماء، ويمنع أن يكون بعضها أعلا من بعض، إذ كان كل واحد منهم مصيبا لحكم الله تعالى لان اختلاف مراتب العلماء متعلق بكثرة إصابة أحكام الله تعالى فيما طريقه الاجتهاد.
الجواب: أما الفصل الأول في جواز تخطئة كل واحد منهم لمخالفيه وتصويبه فإنه غير جائز لواحد من المجتهدين تخطئة مخالفه فيما كان طريقه الاجتهاد، كما لا يجوز للمسافر تخطئة المقيم في مخالفة فرضه لفرضه.
وكما لا يجوز للطاهر تخطئة الحائض، لان فرض كل واحد منهم غير فرض صاحبه، كذلك كل واحد من المجتهدين، فإن فرضه ما أداه إليه اجتهاده، فغير جائز له تخطئة صاحبه في اعتقاده.