ولو جاز أن يبيح ذلك لجاز أن يأمر به، ولو جاز هذ لجاز أن يأمر بالكذب عليه ويشتمه، ويشتم أنبياءه عليهم السلام، وهذا قبيح لا يجوز فعله (على الله تعالى)، فلا يمكن القائل بهذا القول الانفصال ممن أجاز مثله في جميع ما اختلف الناس فيه، من أهل الملة وغيرهم من سائر أصناف أهل الالحاد والشرك، حتى يكون كل معتقد منهم بشئ غلب في ظنه مأمورا باعتقاد ما اعتقده، وأن لا يكون لما اختلفت الأمة فيه اختصاص بتجويز ذلك فيه، دون ما خالف فيه الخارجون عن الملة، من سائر أصناف أهل الإلحاد والشرك.
فلما كان تجويز ذلك تصويب المجتهدين فيه مؤديا إلى انسلاخ من الاسلام والخروج عن الملة كان كذلك حكم المختلفين من الأمة في صفات الله تعالى ذكره، وما يجوز عليه مما لا يجوز، ومن حيث كان ظهور دلائل التوحيد، (وتثبيت الرسل) مانعا من تصويب المختلفين فيه - على اختلافهم - وجب مثله في اختلاف أهل الملة وصفات الله تعالى ذكره وأفعاله.
وما ذكره من أمر المختلفين في تحري الكعبة، وتعديل الشهود والنفقات، وإثبات مقادير المكاييل والموازين لغالب الظن، وتكليف كل أحد ما أداه إليه اجتهاده مع كون الحقيقة فيها عند الله تعالى واحدة، وامتناع ورود النص بها على حسب وجود لا اختلاف، فليس هو مما ذكرنا في شئ، وذلك (أنه) ليس الفرض على المتحري للكعبة هو ظنه بأن الكعبة في هذه الجهة دون غيرها.
وكذلك (الفرض على المتحري) الحاكم ليس الفرض الذي كلف وجود الظن منه بأن هذا عدل، أو فاسق وكذلك النفقات ونحوها.