قال أبو بكر: وظاهر هذا القول يقتضي أن لا يرد إلى الأصل الذي خالف أصل الحادثة رأسا، كقولهم في مسألة المحرم إذا حلق ربع رأسه: إن عليه دما، وقدروا الربع اجتهادا، مع كون الرأس عضوا بنفسه لا نظير له في البدن، وفرقوا بين حلقه ربع الرأس، وبين حلق ربع أحد الإبطين، لان له في البدن عضوا نظيره، فصار أخف حكما من الرأس الذي لا مشارك له في البدن، ولم يكن هذا عندهم ككشف العورة، في أنه لا يختلف حكم ما له منها نظير، ومالا نظير له منها، في أن كشف الربع يفسد الصلاة، فكان يمنع قياس أحدهما على الآخر، لان موضوع الصلاة في الأصل مخالف لموضوع الإحرام في أحكامها.
ألا ترى أن يسير كشف العورة في الصلاة لا حكم له، وأن يسير الحلق في الإحرام لا يخلو من إيجاب شئ. فلما اختلف موضوع أحكامهما في الأصل، امتنع قياس أحدهما على الآخر.
قال: وذلك لان الاحكام إنما تختلف بحسب اختلاف العلل والمعاني، فإذا اختلف (أحكام) الأصلين في موضوعهما استدللنا بذلك على اختلاف عليتهما الموجبة لاختلاف أحكامهما، ولا يصح اتفاق الحكمين مع اختلاف العلل الموجب لاختلاف الاحكام.
قال: ومن أجل ذلك لم يلزم قياس الأضحية على الحلق، ولا كشف العورة في اعتبار الربع فيما يذهب من الأذن، والعين، أو الذنب، بل اعتبروا فيها بقاء الأكثر، ومنعوا قياسه على الحلق وكشف العورة لما وصفنا.
قال أبو بكر: ومن نظائر ذلك ما اختلف فيه أبو حنيفة، وأبو يوسف، (ومحمد)، فيمن جامع مرارا في إحرامه في مجالس مختلفة، أنه يجب لكل جماع دم عندهما، وعند محمد دم واحد، ما لم يكفر، قياسا على كفارة رمضان، ولم يرداهما على كفارة رمضان، لمخالفة كفارة الإحرام لكفارة رمضان في موضوعهما في الأصل.