ألا ترى أن كفارة الإحرام لا يسقطها العذر، وأن كفارة رمضان لا تجب مع العذر، فلما اختلف موضوعهما في الأصل، لم ترد إحداهما على الأخرى.
وكان يقول: ليس هذا بمنزلة قياسنا الخلع على دم العمد مع اختلاف أصليهما، لأنهما غير مختلفين في موضوع أحكامهما، لان البضع ليس بمال، وكذلك دم العمد. وكل واحد من الطلاق والعفو عن الدم لا يلحقه الفسخ بعد وقوعه، ويجوز إسقاطه في المرض بغير عوض، ويجوز كل واحد منهما على ضروب من الجهالة لا تجري مثلها في البياعات. فلما لم يختلفا في موضوع أحكامهما في الأصل، ساغ قياس أحدهما على الآخر.
قال أبو بكر: وما قدمنا حكايته عن أبي الحس في الفصل المتقدم، هو ضرب من ترجيح العلل إذا عارضتها علل غيرها، فيكون إلحاقها بجنسها و (ما) هو من بابها، وفي حكمها أولى.
فأما أن يكون جواز القياس مقصورا على رد الحادثة إلى ما هو من جنسها، دون غيره (فلا، بل) القياس جائز على ما هو من جنس الحادثة، وعلى ما يعد منها بعد اشتراكهما في المعنى الذي هو علم الحكم.
ومسائل أصحابنا واعتلالاتهم تدل على ذلك، وما أعلم أحدا من القائسين يمنع من تجويز ذلك في كثير من المواضع.
وقد كان أبو الحسن يرد الوطء الكثير الواقع في الإحرام على جهة الرفض، والاحلال، في باب وجوب الاقتصار به على دم واحد على الوطء الكثير الواقع في النكاح الفاسد، لما وقع على وجه واحد، لم يجب إلا مهر واحد، كان بمنزلة الوطء الواحد.
وقد رد النبي صلى الله عليه وسلم (جواز) قضاء الحج عن الغير إلى قضاء الدين بقوله: (أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته، أكان يجزي عنه؟ قال: نعم. قال: فدين الله تعالى أحق) ورد إباحة القبلة للصائم إلى المضمضة، وليست من جنسها.