من طريق التوقيف حين بينها له بقوله: " أما السفينة فكانت " " وأما الغلام " " وأما الجدار ".
وعلل الاحكام إنما هي أوصاف في الأصل المعلول ليست من علل المصالح في شئ، والمصالح نفسها هي الاحكام التي تعبدنا الله تعالى بها، وقد علمنا عند ورود النص: أنه لم يفعلها إلا حكمة وصوابا، وإن لم نقف على وجه المصلحة في كل شئ بعينه.
وعلل هذه المصالح إنما هي في المتعبدين لا في الحكم، وذلك لأنه جائز أن يكون في المعلوم أنه لو لم يتعبدنا بها لفسدنا، وإذ تعبدنا بها صلحنا، وليس ذلك من علل الاحكام في شئ.
فإن قيل: ما أنكرت أن تكون العلل التي نستخرجها مما لا يتعدى هي من علل المصالح.
قيل له: هذا غلط، لان كون الذهب والفضة أثمانا، ليس من علل المصالح، لان كونهما أثمانا إنما كان باصطلاح الناس عليه، وكون الأولاد من الأمهات ليست من علل المصالح في شئ، وأنت إذا استخرجت علة النصوص فإنما تستخرجها لتجعلها علة للحكم المنصوص عليه، ولو كانت علة الاحكام علة المصلحة، لوجب أن يكون الاكل في البر بالبر، لما كان عندك علة لتحريم التفاضل، أن يكون التحريم أبديا موجودا، وأن لا يصح إباحة التفاضل فيهما مع وجودهما، لان علل المصالح غير جائز وجودها عارية من أحكامها. وقد علمنا وجود كونه مأكولا مع إباحة التفاضل قبل التحريم، فدل على أن علل أحكام ليست من علل المصالح في شئ، وأن علل الاحكام سبيلها أن تكون أوصافا للأصول المقتضب منها العلل.
وعلل المصالح إنما هي معان في المتعبدين لا في الأصول المتعبد بها، وتلك المعاني لا نعلمها إلا من طريق التوقيف، وإن كنا قد علمنا في الجملة: أن المصلحة في الحكم الذي تعبدنا به.