تقوم في الصحة مقامها، من قبل أن صحة العلة وثباتها موقوفة على الدلائل، ولا يثبت بقول الخصم أنها علة، فهذا سؤال ساقط، لأنه يرجع على سائله من حيث أراد إلزامه خصمه.
وأما من يجيز وجود علتين متضادتي الاحكام من غير أن ينفصل إحداهما من الأخرى بضرب من الرجحان، فإنه يجعل الذي اعتدل ذلك عنده مخيرا في إمضاء أي الحكمين شاء دون الآخر، وصار هذا فرضه في هذه الحال.
(وقال) قائل من المخالفين: إن كنتم تعتبرون العلل بالأسماء في جواز التخصيص، فإنا إنما نجيز تخصيص الأسماء على معنى أن المخصص له كالاستثناء المقرون باللفظ، وأن ما خص منه لم يكن قط مرادنا باللفظ.
فهل تقولون مثله في العلل؟ وتجعلون الدلالة الموجبة لتخصيصها كأنها مقارنة لها؟
فإن قلتم ذلك فإنا نوافقكم عليه، وإن أطلقتم العلة ثم خصصتموه من غير قرينة معها، فهذا الذي نخالفكم فيه.
قال أبو بكر: فوافقنا هذا القائل في القول بتخصيص العلة من حيث لا يدري، والذي ألجأه إلى ذلك: دلائلنا التي ذكرنا في جواز تخصيص أحكام العلل الشرعية، حيث لم يمكنهم الانفصال منها ولا دفعها.
والذي نقول في هذا: إنه لا فرق بين هذه العلل وبين الأسماء في جواز تخصيصها.
وهو: أن الدلالة الموجبة لتخصيص العلة، كأنها مقرونة إلى لفظ التعليل بمنزلة قوله: هذا المعنى علامة للحكم إلا في موضع كذا، كما نقول في تخصيص الاسم: إن دلالة التخصيص كأنها مقرونة إليه، وكان بمنزلة قوله: اقطعوا السراق، إلا سارق كذا. لا فرق بينهما من هذا الوجه.
ولا نقول: إن الحكم المخصوص كان مرادا بالعلة.
كما لا نقول: إن الحكم المخصوص من الاسم كان مرادا بالاسم.