ونظيره: ما فعله الصحابة في غزاة بني قريظة، واختلف آراؤهم فيه.
فصوب النبي صلى الله عليه وسلم الجميع، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالمبادرة إلى بني قريظة، وتقدم إليهم أن لا يصلوا العصر إلا هناك.
فأدركت قوما منهم صلاة العصر، وخافوا فوتها قبل المصير إلى هناك، فاختلفوا.
فقال بعضهم: لا نصلي إلا في بني قريظة، وإن خرج وقتها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تصلوا العصر إلا بها) وقال بعضهم: إنما أمرنا بذلك لتعجيل المصير إليها من غير ترخيص منه في تركها إلى خروج وقتها.
ففعل كل فريق منهم ما رأى، ثم ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فأظهر تصويب الجميع، إذ كانوا فعلوه باجتهاد آرائهم.
ومن نحوه: مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر في أسارى بدر، فأشار أبو بكر بالمن والفداء، وأشار عمر بالقتل، فصوبهما رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والدليل على أنه صوبهما جميعا: أنه شبه أبا بكر بإبراهيم صلى الله عليه وسلم حين قال: " فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ".
وشبه عمر بنوح صلى الله عليه وسلم حين قال: " رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ".
وغير جائز أن يشبههما بنبيين في فعلهما، إلا وقولهما جميعا صواب.
ولو كان الحق في أحد القولين دون الآخر وكانا مختلفين بحقيقة النظر عند الله تعالى، لما جاز تصويبهما، إذ كان المصيب واحدا منهما دون الآخر.
فإن قال قائل: كان المصيب منهما عمر دون أبي بكر، لان الله تعالى عاتب نبيه صلى الله عليه وسلم