لكانوا مستحقين للعقاب، لبقائها على حال التحريم الذي كان على سائر الأمم السالفة، ولكنه عز وجل أباحها لهم، فلم يستحقوا العقاب بأخذها.
ويدل على صحة هذا التأويل: قوله تبارك وتعالى: " فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا " ولو كانوا آخذين لما لم يجز أخذه لأمرهم به، وبقتل من في أيديهم من الاسرى، إذ كان المن وأخذ الفداء خطأ، خلاف حكم الله تعالى فيهم، لان الله تعالى لا يقر أحدا على خلاف حكمه.
وفي قوله تعالى: " يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الاسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم ". يدل على أنه أنفذ لهم ما أخذوه، وأنه لو كان محرما عليهم كتحريمه على من كان قبلهم لمسهم في أخذه عذاب عظيم، فأخبر عن موضع النعمة عليهم، بإباحته أخذها، لئلا يستحقوا العقاب إذا أخذوها.
وقد قيل: إن قوله تعالى: " ما كان لنبي أن يكون له أسرى ". يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم داخلا فيه، إلا أنه لما أثخنهم بقتله رؤساءهم وهزيمة الباقين منهم، جاز أن يكون له أسرى، فكان سبيله في هذا الباب، سبيل سائر الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، في أنه لم يبح له الاسرى إلا بعد الإثخان، ثم خالف بين حكمه، وبين حكم سائر المتقدمين، بأن لم يجعل لمن تقدم أخذ المال من الاسرى، وإنما كان لهم المن بغير فداء، أو القتل.
وأباح للنبي صلى الله عليه وسلم أخذ الفداء. فقال تعالى: " لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم " (بأن يفضل دون سائر الأنبياء بإباحة أخذ الفداء لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم). كما لو فعله من قبلكم مع الحظر.
ويدل على أن الله تعالى لم يعاتبه على تبقية الاسرى بالفداء: أن الله تعالى قد كان عالما بأن في أولئك الاسرى من يسلم، ويحسن إسلامه إذا استبقي وفودي به، وينجو من عذاب الكفر.