فلم يكن جائزا في حكمه ولا أمره، قتل من في معلومه أنه لم يأمر بقتله: إذا كان فيه اقتطاع منه له عن النجاة، والوصول إلى الثواب بإماتته وقتله، وهذا لا يجوز في حكم الله تعالى.
فدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مصيبا في استبقائهم، وأخذ الفداء منهم، وسقط بذلك تأويل من تأول الآية على إثبات العتب من الله تعالى في أخذ الفداء، واستبقاء الاسرى.
وقد احتجوا أيضا - كما ذكرنا - بقوله تعالى: " وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث " إلى قوله تعالى: " ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما ".
فلما مدحهما جميعا بما وصفهما (به) من الحكم والعلم، دل على تصويبه لهما في اجتهادهما.
وقوله تعالى: " ففهمناها سليمان " تأولوه على إصابة الأشبه عند الله تعالى الذي لم يكلفها المجتهد.
ويدل على ذلك (أيضا): قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم).
فاقتضى هذا القول بأنهم إذا اختلفوا فافتدى هذا ببعضهم وهذا ببعضهم أن يكونا جميعا مجتهدين مصيبين لحكم الله تعالى عليهما.
ويدل عليه أيضا: تحكيم النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ في أمر بني قريظة، على أن يحكم فيهم بما يراه صوابا، فسوغ لهم أيضا حكمه فيهم على أي وجه وقع حكمه: من قتل، أو من استبقاء.