أما المقام الأول: فالكلام فيه يقع في جهات:
الجهة الأولى: في الوضع العام والموضوع له العام، وهو أن يتصور الواضع المعنى الكلي حين الوضع فيضع اللفظ بإزائه، سواء أكان تصوره بالكنه والحقيقة كما إذا تصور الإنسان - مثلا - بحده التام، أم كان ذلك بالوجه والعنوان كما إذا تصوره بحده الناقص، أو بالعنوان المعرف والمشير من دون دخل لذلك العنوان فيه، نظير: بعض العناوين المأخوذ في موضوع القضية لأجل الإشارة إلى ما هو الموضوع فيها حقيقة، بدون دخل له فيه أصلا. فالوضع العام والموضوع له العام من قبيل القضية الطبيعية كقولنا: الإنسان نوع، فكما أن المحمول فيها ثابت للطبيعي بما هو فكذلك الوضع هنا، أي: لطبيعي المعنى الجامع.
الجهة الثانية: في الوضع الخاص والموضوع له الخاص، وهو أن يتصور الواضع حين إرادته الوضع معنى خاصا وجزئيا حقيقيا فيضع اللفظ بإزاء ذلك الخاص: كوضع الأعلام الشخصية، سواء أكان تصوره بالكنه أم كان بالوجه والعنوان، لكفاية تصور الشئ بوجه ما في وضع لفظ بإزائه، ولا يلزم تصوره بكنهه وحقيقته. فقضية الوضع الخاص والموضوع له الخاص كالقضية الشخصية التي ثبت الحكم فيها لأشخاص معينين.
الجهة الثالثة: في الوضع العام والموضوع له الخاص، وهو أن يلاحظ الواضع حين الوضع معنى عاما يكون وجها وعنوانا لأفراده ومصاديقه، بحيث يكون تصوره تصورا لها بوجه فيضع اللفظ بإزاء الأفراد والمصاديق، فهذا هو الوضع العام والموضوع له الخاص، وحاله كحال القضية الحقيقية.
وقد يتوهم أن ذلك غير معقول، بتقريب أن أي مفهوم جزئيا كان أو كليا لا يحكي إلا عن نفسه، فيستحيل أن يحكي مفهوم عن مفهوم آخر، فكما لا يعقل أن يحكي المفهوم الخاص بما هو خاص عن مفهوم عام أو خاص آخر فكذلك لا يعقل أن يحكي المفهوم العام بما هو عن مفهوم خاص أو عام آخر، بداهة أن لحاظ