المعنى فإنه الملحوظ أولا وبالذات، واللفظ ملحوظ بتبعه وفان فيه، وعليه فلازم استعمال اللفظ في المعنيين على نحو الاستقلال تعلق اللحاظ الاستقلالي بكل واحد منهما في آن واحد كما لو لم يستعمل اللفظ إلا فيه. ومن الواضح أن النفس لا تستطيع أن تجمع بين اللحاظين المستقلين في آن واحد، ولا ريب في أن الاستعمال في أكثر من معنى واحد يستلزم ذلك، والمستلزم للمحال محال لا محالة.
ويرده: أن الأمر ليس كما ذكره (قدس سره)، وذلك لأن النفس بما أنها جوهر بسيط ولها صفحة واسعة تقتدر على أن تجمع بين اللحاظين المستقلين في صفحتها في آن واحد، ويدلنا على ذلك أمور:
الأول: أن حمل شئ على شئ والحكم بثبوته له كقولنا: زيد قائم - مثلا - يستدعي لحاظ كل من الموضوع والمحمول، والنسبة في آن واحد وهو آن الحكم، وإلا لكان الحكم من النفس ممتنعا، ضرورة أن مع الغفلة لا يمكن الحكم بثبوت شئ لشئ.
إذا لا مانع من الجمع بين اللحاظين المستقلين في آن واحد، فإن الحمل والحكم دائما يستلزمان ذلك، كيف؟ فإن المتكلم حين الحكم لا يخلو: إما أن يكون غافلا، وإما أن يكون ملتفتا إلى كل واحد من الموضوع والمحمول والنسبة، ولا ثالث، وحيث إن الأول غير معقول فتعين الثاني. وهذا معنى استلزام الحمل والحكم الجمع بين اللحاظين الاستقلاليين.
الثاني: قد يصدر عن شخص واحد فعلان أو أزيد في آن واحد ولو بأن يكون أحدهما بآلة، والآخر بآلة أخرى، مثلا: الإنسان يشتغل لسانه بالكلام ويحرك يده في آن واحد، ومن البين أن كلا منهما فعل اختياري مسبوق بالإرادة واللحاظ، وعليه فالإتيان بفعلين في آن واحد لا محالة يستلزم لحاظ كل واحد منهما