فرده، فبالنتيجة: يرجع هذا القسم إلى القسم الأول وإن كان مغايرا له بحسب الصورة.
وأما القسم الثالث: فهو في حمل بعض العناوين العرضية على بعضها الآخر، كقولهم: " الكاتب متحرك الأصابع، أو: " المتعجب ضاحك " ونحو ذلك. وقد اتضح لك: أنه ليس للعناوين العرضية وجود في عالم الخارج بالذات، بل يضاف إليها وجود ما يتصف بها إضافة بالعرض، وبقانون: أن ما بالعرض ينتهي إلى ما بالذات فلا محالة ينتهي الأمر إلى حملين آخرين:
أحدهما: حمل صفة الكتابة أو التعجب على شئ.
وثانيهما: حمل الحركة أو الضحك على شئ آخر، فيدخل هذا القسم أيضا في القسم الأول، والاختلاف بينهما في الصورة، لا في الحقيقة.
فتلخص من ذلك: أن مرجع جميع هذه الأقسام إلى قسم واحد، وهو القسم الأول، وعلى ضوء أن الملاك في صحة الحمل الشائع هو الاتحاد في الوجود الخارجي ظهر أن صحته لا تكشف عن الحقيقة، ضرورة أنها لا تكون أمارة إلا على اتحاد المحمول مع الموضوع خارجا. وأما أن استعمال اللفظ في المحمول على نحو الحقيقة فهي لا تدل عليه، إذ ليس هنا إلا مجرد التعبير عنه بذلك اللفظ، وهو لا يزيد على الاستعمال، وهو أعم من الحقيقة.
نعم، إذا فرض تجرد اللفظ عن القرينة وتبادر منه المعنى كان ذلك آية الحقيقة، إلا أنه خارج عن محل الكلام بالكلية.
وعلى الجملة: فملاك صحة الحمل نحو من أنحاء الاتحاد خارجا، وملاك الحقيقة استعمال اللفظ في الموضوع له، فأحد الملاكين أجنبي عن الملاك الآخر، لإمكان أن يتحد الموضوع والمحمول في الخارج مع كون استعمال اللفظ في المحمول مجازا. وقد عرفت: أن الحقيقة والمجاز أمران يرجعان إلى عالم الألفاظ، وصحة الحمل ترجع إلى عالم المدلول، فإثبات أحدهما لا يكون دليلا