أن الاطلاع على حدود الموضوع له، لا يمكن إلا من أمرين على سبيل منع الخلو:
إما إخبار أهل اللغة بذلك.
أو الاطراد بالوجه الذي قربناه.
وهذان يرجعان - قضاء لحق انقطاع التسلسل - إلى تصريح الواضع، أو الواضع المستعمل، أو إلى قيام القرينة من قبله عليه، فلاحظ جيدا.
إن قلت: تعطي المراجعة بعد الدقة، أن الحاجة إلى اللغة مقصورة على الصحيحة، لعدم مساس الاحتياج إلى وضع اللغة للأعم، فعندئذ يعلم: أن الطريقة الشرعية في ألفاظها، مثل الطريقة العرفية (1).
قلت: أما في المقيس عليه فالأمر واضح المنع، ضرورة أن الاحتياجات مختلفة:
فتارة: يحتاج إلى الاستفادة من شئ، فيكون اللفظ هناك ظاهرا في الصحيح منه، كما إذا قصد شرب الماء، أو أكل الخبز والبطيخ وهكذا، أو شراء السيارة والدار وغير ذلك، فإنه إذا أمر بها، فلا بد من كون إرادته الجدية متعلقة بالأخص.
وأخرى: يحتاج إلى إرجاع الطبائع الفاسدة أو المريضة أو المعيوبة إلى من يعالجها، فإنه عند ذلك لا بد من كون المراد الجدي، ما هو الفاسد والمريض، فإذا أمر بأن يعالج الدكتور أغنامه ومواشيه، أو أمر بمراجعة أهل الفن لإصلاح زراعته وأراضيه، فلا يريد إلا المعنى الأخص جدا وهو الفاسد، ولكن المراد الاستعمالي أعم في الفرضين.
ولا شبهة في أن هذا دليل على أن الموضوع له هو الأعم، أي لا يلحظ فيه لحاظ الأعمية، ولا لحاظ الصحة والفساد معا، بل معناه عدم لحاظ شئ وراء لحاظ نفس الطبيعة القابلة للاتصاف بالوصفين، فتبين ثبوت الحاجة إلى الوضع للأعم، وإذا