لأنا نقول: ليست الألفاظ أسبابا تكوينية حتى يتوهم ما قيل، بل هي الآلات الإيجادية للمعاني الاعتبارية، أو هي المظهرات للمعتبرات العقلائية الذهنية، فعليه يسقط التوهم المشار إليه، ويبقى الاحتمالان سليمين عن الإشكال في مرحلة الثبوت.
المقدمة الثانية:
لا شبهة في أن جميع الاعتباريات - شرعية كانت، أو عرفية - تابعة لمصالح، ولكنها ليست داخلة في حدود القوانين والأوامر والنواهي، بل هي متقدمة على الأمر والجعل ذهنا، وتكون علة غائية، ومتأخرة عن المأمور به وجودا وخارجا.
مثلا: لا بد من لحاظ الأثر في إيجاب الصلاة، وهو " قربان كل تقي " (1) ولكنه ليس داخلا في حدود الأمر، بل هو متقدم على الأمر، وداخل في سلسلة العلل، ومتأخر عن المأمور به، وداخل في سلسلة المعاليل التكوينية القهرية. ففي هذه الأمور الاعتبارية، لم يعتبر الصلاة سببا لأمر، ولا موضوعا لأثر.
ولكن من المعتبرات العرفية والشرعية، ما هي ذات المصالح والآثار القهرية، كحفظ النظام المترتب عليها، مع عدم كونه داخلا في الاعتبار، أي لا يعتبر البيع سببا لحفظ النظام، ولكن قد يكون الأثر القهري، داخلا في اعتبار متقدم على ذلك الأثر الذي هو الاعتبار الآخر، وذلك مثل المعاملات، فإن هذه الماهيات اعتباريات، وليس نظر المعتبرين إلى تلك الماهيات مطلقا، بل نظرهم إليها لأجل التوسل بها إلى الاعتبار الآخر، وهو تبادل الملكية، وحصول النقل والانتقال، ولذلك يعتبرون البيع سببا للنقل والانتقال بنحو الكلي.
وليس معنى ذلك، أنهم واقفون على كرسي القانون، ويضعون هذه الأمور