وتوهم الفرق بينهما والقدح في جعل الخدمة عوض الكتابة - من حيث إن المنفعة ملك المولى فلا يعاوض على ماله بماله، بخلاف الملك المتجدد فإنه ليس بموجود ولا داخل تحت قدرته، بخلاف الخدمة فإنها مقدورة له فكانت كالعين الحاضرة، ومن ثم جاز عتقه منجزا بشرط خدمة معينة بغير رضاه دون اشتراط مال بغير رضاه - مندفع أسلفناه من أن مقتضى عقد الكتابة مخرج المملوك عن ملك المولى محضا وإن كان انتقالا متزلزلا ومن ثم حرم مناكحته وسقطت عنه فطرته ولم يكن له استخدامه وغير ذلك من توابع الملك، فكانت منفعته وما يتجدد من كسبه تابعة لرقبته بالانتقال عن ملكه فجاز جعله عوضا عن فك رقبته.
ولما كان العتق المنجز مقتضيا ملك المعتق منافع نفسه وكسبه اعتبر رضاه في اشتراطه المال دون الخدمة لأنها تصير كالمستثناة مما يخرجه عن ملكه بالتحرير المتبرع به، وهذا لا يلزم منه بطلان جعل الخدمة عوضا في الكتابة الواقعة برضا المكاتب مضافا إلى عموم الأدلة.
(ومنها) اشتراط المعلومية في عوض المكاتبة، ولا يقدح في معلوميتها الجمع بينها وبين شئ من المعاوضات مما يراعى فيها المعلومية كالبيع والنكاح والإجارة لأن المعتبر العلم بمجموع العوض والمعوض، ولا يعتبر العلم بما يخص الأجزاء، وإنما يحتاج إلى معرفته على بعض الوجوه كما لو ظهر استحقاق بعض الأعيان وبطلان بعض الصفقة، فيكتفي حينئذ بمعرفة ما يخص كل واحد بالحساب ونسبة بعضها إلى بعض، وهذا من ذلك القبيل، قد تقدم ذلك في فروع البيع والنكاح.
فإذا قال للعبد: كاتبتك وبعتك هذا الثوب بمائة إلى شهر مثلا وكاتبتك وآجرتك الدار بكذا، أو جمع بين الثلاثة فقال: قبلت الكتابة والبيع أو قبلتهما جميعا أو الجميع صح وانعقدت العقود الثلاثة، فإذا أدى المال المعين عتق، واستقر ملكه بالمبيع واستئجار الدار وغير ذلك مما يضاف إليها، فإذا احتيج إلى معرفة ما يخصه من مال الكتابة كأن ظهر المبيع مستحقا ولم يجز المالك وزع العوض