بقوله " فإذا أديت فأنت حر " يقتضيه اشتراك اللفظ - أعني المكاتبة بين الأمرين وبين المعاملة الخاصة الشرعية - فلا بد من لفظ مائز يخرجها عن الاشتراك إلى الصريح و يرد عليه أن مفهومها الشرعي متبادر ومفهوم منها والاطلاق منزل عليه.
ويتخرج على هذا في المسألة قول ثالث، وهو عدم اشتراط القصد الخاص إلى اللفظ كغيره من الألفاظ الصريحة في معناها، لأن اعتبار القصد المدعى في الاكتفاء باللفظ الأول يوجب عدم الاكتفاء به عند من منع من الكنايات واعتبر اللفظ الصريح، فإن كان صريحا لم يفتقر إلى القصد المميز، وإلا لم يكن وإن ضم إليه القصد. وقريب من هذا الخلاف ما تقدم في التدبير من الاكتفاء بقوله " أنت مدبر ".
ومخرج القولين فيهما على أنهما مشتهران في معنييهما عند العوام بحيث لا يعرفهما إلا الخواص فكانا كناية، وبعضهم فرق بين اللفظين اكتفى في التدبير دون الكتابة ووجه الفرق بينهما وجهان:
(أحدهما) أن التدبير واضح المعنى مشهور عند كل أحد حتى العوام، بخلاف الكتابة فإن معناها الشرعي لا يعرفه إلا الخواص.
(و الثاني) أن التدبير كان مستعملا معروفا في الجاهلية في معناه الشرعي والشرع إنما قرره ولم يستعمل في معنى آخر، والكتابة تقع على العقد المعلوم وعلى المخارجة وهو أن توصف على العبد المكتوب كل يوم خراجا ولا يوجب له العتق به، فلا بد من المميز بين اللفظ عند إرادة ذلك المعنى منه وبينه عند إرادة المعنى الآخر. وليس ثمة سوى النية والقصد المخصوص.
والظاهر من الأقوال هو أن الكتابة كالتدبير وإن لم تتعقل معناها ابتداء سوى الخواص لأنها قد صارت من الحقائق الشرعية، فيحكم على التلفظ بها وإن كان من العوام، وإن لم يعلم بقصده كسائر الألفاط المنقولة.
الخامسة: قد اختلف العلماء في اشتراط الأجل في الكتابة وعدمه، فاعتبره الأكثر كشيخ المبسوط وأتباعه ومحقق الشرايع وأكثر المتأخرين الوجهين.